وُلد "أودين" مصابًا بمرض قد يكون مهدّدًا للحياة، ألا وهو فرط الأنسولينية الخِلقي، لكنه قدِم إلى مستشفى فيلادلفيا للأطفال من مسقط رأسه أيسلندا بغرض العلاج وقد شفي من مرضه الآن.

يقول سيفار إينارسون، والد أودين: "نعلم أننا كنا محظوظين". "للقدوم إلى هنا، لنلتقي بهؤلاء الأطباء ذوي الكفاءة والمعرفة، لنحصل على هذه النتيجة الرائعة... إنه لأمر مذهل حقًا".

لقد كان "أودين" محظوظًا أن لاحظت ممرضته في المستشفى الصغيرة ببلدة كيفلافيك، بعد مرور ساعة على ولادته، أنه يصدر صوت خفخفة وكانت مستويات الأكسجين في الدم أقل من معدلها الطبيعي. ونظرًا لعدم وجود متخصصين في الفريق، فقد تم اتخاذ قرار بإرساله إلى أكبر مستشفى في المقاطعة، ألا وهي المستشفى الجامعي (لاندسبيتالي)، والتي تقع على بُعد 40 دقيقة من ريكيافيك.

لقد حالف الحظ "أودين" مرة أخرى إذ تمكن الأطباء بمستشفى (لانديسبيتالي) من اكتشاف نقص السكر في الدم بعد ساعات قليلة من وصوله إلى هناك. لقد قاموا بقياسه وقد بلغ 16.2 ملغ/ديسيلتر، يتراوح المعدل الطبيعي بين 70 و100 ملغ/ديسيلتر. مع عمليات ضخ الجلوكوز الفورية، لم يعاني أبدًا من النوبات التي قد يسببها انخفاض نسبة السكر في الدم أو تلف الدماغ الذي قد ينتج عنها.

يقول سيفار: "لقد نجح ذلك في ضبط نسبة السكر". "واعتقدوا في بادئ الأمر أنه سيتعافى خلال ثلاثة أو أربعة أيام".

مرض فرط الأنسولينية مرض نادر، ويصاب به طفل واحد فقط من بين كل 25000 و50000 طفل حول العام. عندما لم يتحسن انخفاض مستويات السكر في الدم كما هو متوقع بعد مرور بضعة أيام، كان من حُسن حظ "أودين" أن الأطباء كانوا غير متحفّظين في استشارة بعض الأطباء الآخرين في السويد طلبًا للمساعدة. عندما اعتبروا ارتفاع مستويات الأنسولين وولادته بحجم كبير (9 أرطال، 13.7 أونصة)، فقد اشتبهوا في إصابته بفرط الأنسولينية. وقد طلبوا إجراء اختبار للجينات الوراثية للتأكد من التشخيص وتحديد نوع فرط الأنسولينية، وهي المعلومات التي ستحدد العلاج. كما تم إعطاء الرضيع دواء "الأكتريوتيد" للحفاظ على ثبات مستويات الجلوكوز.

وكان "أودين" محظوظًا مرة أخرى لأن آيسلندا لها علاقة بمستشفى فيلادلفيا للأطفال. حيث إن هاكون هاكونرسون، المدير الطبي الحاصل على دكتوراه في الطب، مدير مركز علم الجينوم التطبيقي بمعهد البحوث بمستشفى فيلادلفيا للأطفال، من أيسلندا.

وقد عمل "هاكونرسون" سريعًا على إيصال أطباء "أودين" بفريق من مركز فرط الأنسولينية الخِلقي بمستشفى فيلادلفيا للأطفال، والذي يعالج مرضى مصابين بفرط الأنسولينية الخِلقي أكثر من أي برنامج آخر في العالم. وقد شارك المركز بروتوكولاته الخاصة للحفاظ على سلامة "أودين" حتى يتسنى له القدوم إلى فيلادلفيا لتلقي العلاج. تعلّم سيفار وأم أودين، تلما، كيفية قياس مستويات السكر في الدم وإعطائه دواء "أكتريوتيد"، ومن ثمَّ فقد أحضروا طفلهم الرضيع إلى المنزل لمقابلة أخويه التوأمان البالغ عمرهما 4 أعوام، "إينار ثور" و"إيريكور أولي"، حتى تم تحديد موعد الرحلة.

ونظرًا لأن أيسلندا تمتلك رعاية صحية شاملة، فقد قام المستشفيين بإجراء جميع الترتيبات اللازمة، بالتعاون مع فريق مكنب خدمات المرضى الدوليين في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال". يقول سيفار: " لقد اعتنوا بكل شيء". سافرت الأسرة إلى فيلادلفيا في 4 يناير برفقة أخصائي الغدد الصماء لدى الأطفال الأيسلندي "راجنار بيجارناسون"، الحاصل على دكتوراه في الطب والفلسفة والذي تابع حالة "أودين" أثناء رحلة الطيران التي استمرت لخمس ساعات.

يوجد نوعان من فرط الأنسولينية: البؤري والمنتشر. في المرض البؤري، تتركز خلايا بيتا غير النشطة بالبنكرياس في بقعة واحدة. وعادةً ما يتمكن الجراحون من استئصال الآفة، مما يؤدي إلى استبقاء البنكرياس وضمان الشفاء التام. في المرض المنتشر، تنتشر الخلايا المسببة للمشكلة عبر البنكرياس، وقد يحتاج معظم العضو أو كله إلى الاستئصال. وعادة ما يتطلب المرض المنتشر معالجة تستمر طوال الحياة. بعد مرور عدة أيام منذ قدومه إلى مستشفى فيلادلفيا للأطفال، ظهرت نتائج الاختبار الجيني لأودين. واستطاعت ديفا دي ليون كروتشلوو، المديرة الطبية الحاصلة على ماجستير العلوم في علم الأوبئة السريرية، ومدير مركز فرط الأنسولينية، وكاثرين لورد، الحاصلة على درجة الماجستير، أخصائية الغدد الصماء للمرضى الداخليين، إبلاغنا بأخبار جيدة: أن "أودين" مصاب بمرض بؤريّ. ولكن ما موقع هذه البقعة في بنكرياس "أودين"؟

إن "مستشفى فيلادلفيا للأطفال" أحد المراكز القليلة في العالم الذي يمكنه إجراء اختبار تصويريّ يمكنه تحديد موقع مناطق المرض البؤري في البنكرياس بدقة. وقد أظهرت أشعة 18F-DOPA PET، التي تم إجراؤها في 11 يناير بموجب بروتوكول الأبحاث المعتمد من "إدارة الأدوية والأغذية"، أفضل أخبار ممكنة: كانت الآفة البؤرية لدى "أودين" في ذيل البنكرياس، الأمر الذي أظهر أن الجراحة اللازمة لاستئصالها ستكون بسيطة نسبيًا. لقد حالفنا الحظ مرة أخرى.

لقد استطاع رئيس الجراحين الحاصل على درجة الماجستير، الدكتورإن سكوت أدزيك، الذي أجرى ما يزيد عن 450 عملية استئصال للبنكرياس، استئصال الجزء المصاب في غضون 50 دقيقة. يقول سيفار: "لقد أخبرونا بأنها قد تستغرق أربع أو خمس ساعات، لذلك عندما خرجوا مبكرًا للغاية، ظننا في البداية أن هناك خطبٌ ما. لكن سار كل شيء على ما يرام".

فضلًا عن بعض الجلوكوز الذي حصل عليه "أودين" للمساعدة في التعافي في الأيام الأولى بعد الجراحة، ثم توقف "أودين" عن تناول جميع الأدوية. وقد تجاوز اختبار الامتناع عن الجلوكوز لمدة 24 ساعة في 29 يناير، ومن ثمَّ اتضح تعافيه تمامًا

وقد أثنت أُمَّه "تلما" على جميع موفري الرعاية الذين قابلتهم الأسرة أثناء مدة البقاء في "مستشفى الأطفال". وقالت: "لقد كان تدفق المعلومات ممتازًا". يقول سيفار: "لقد أجابوا عن أسئلتنا حتى قبل أن نطرحها عليهم. لقد كنا سعداء حقًا خلال العملية بأكملها".

"ونحن سعداء للغاية لوجود مكان كهذا حيث تتوفر به معرفة وافرة بفرط الأنسولينية". "وإنه مرض نادر للغاية في أيسلندا حيث لم يسمع عنه معظم الأطباء من قبل. لكن هنا، كل شخص يعلم ما ينبغي له فعله".

توجد حالة أخرى معروفة فقط لفرط الأنسولينية في أيسلندا. منذ عشرين عامًا، قدِم أيضًا هذا المريض إلى "مستشفى فيلادلفيا للأطفال" لتلقي العلاج بمساعدة "هاكونرسون"، وقد أجرى الدكتور "أدزيك" الجراحة لها أيضًا. 

بعد مرور عام واحد

يبلغ عمر "أودين" الآن عامًا واحدًا ويعيش حياة طبيعية. حتى أنه يأخذ أوقات القيلولة في الخارج بعربة الأطفال مثله مثل جميع الأطفال الآخرين في أيسلندا!;ويتابع حالته الصحية أخصائي الغدد الصماء الذي شخّص في البداية حالته بالإصابة بفرط الأنسولينية ولكنه ينمو بشكل طبيعي وهو فتى نشط وسعيد كما أنه ليس بحاجة إلى تناول أي دواء أو إجراء قياسات منتظمة لجلوكوز الدم. والأفضل من ذلك كله، أنه قادر على العودة إلى منزله مع أخويه الأكبر سنًا، اللذين يحبان اللعب معه. 

تم التحديث: يناير 2018