الناسور الرغامي المريئي وتَلَيُّن الحنجرة: قصة شيخة
لقد واجهت "شيخة اشتيبي" قدرًا كبيرًا من التحديات في سنواتها الخمس الأولى يفوق ما يواجهه معظم الناس طوال حياتهم.
ولدت "شيخة" قبل موعد ولادتها الطبيعي بثلاثة أشهر في الإمارات العربية المتحدة، وظهر عليها على الفور علامات تدل على وجود مشكلة. لقد تطلب الأمر جهودًا كثيرة من المتخصصين، في المستشفيات بدءًا من دبي وانتهاءً بلندن، لتحديد المشكلة. إلا أن فريقًا متعدد التخصصات في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال" هو من بدأ يعيد الأمور إلى صوابها.
طفلة صغيرة تعاني الكثير من المشكلات الصحية
لقد ولدت "شيخة" قبل الأوان، وهي تعاني من عدة تشوهات خِلقية. الناسور الرغامي المريئي هو حالة مرَضية تكون فيها الوَصْلات بين المسالك الهوائية والمريء شاذة أو غير طبيعية، مما يجعل الغذاء يدخل إلى رئتيها. تَلَيُّن الحنجرة، حيث تكون أنسجة الحنجرة ليّنة ومرنة، يؤدي إلى صعوبة التنفّس. كما كان هناك عيب في القلب أصاب "شيخة" بالضعف الشديد. وكان لديها تشوه في الحجاب الحاجز (الأُنْثَوِي)، وهي العضلة التي تسمح للصدر بالتوسع عند استنشاق الهواء، مما جعل حالاتها المرضية الأخرى أكثر سوءًا.
وكان قد وُضع لشيخة أنبوب وهي رضيعة (أُدخل أنبوب تنفس من فمها وحتى المجرى الهوائي)، وذلك لأن حالة جسدها جعلت من المستحيل أن تتنفس على طبيعتها.
وقد أجريت عدة محاولات لإصلاح المجرى الهوائي والحجاب الحاجز. إلا أن جميعها باءت بالفشل. بل كانت إحداها كارثية.
فخلال إحدى العمليات الجراحية لإصلاح القصبة الهوائية، توقفت "شيخة" عن التنفس لمدة 10 دقائق. وتمكن الفريق الجراحي من إنقاذ حياتها، ولكنها تعرضت لإصابات في الدماغ تسببت في تأخر شديد في نموها.
وقد حدث كل هذا قبل عيد ميلاد "شيخة" الأول.
الأمل يبدد النظرة المستقبلية القاتمة
بعد العمليات الجراحية الفاشلة، عاشت "شيخة" بفضل أنبوب تغذية وأنبوب القصبة الهوائية وهو أنبوب قابل للإزالة يوضع في ثقب برقبتها يسمح بوصول الأكسجين إلى رئتيها.
ويقول هزاع، والد شيخة: "لم يكن لدي أنا وزوجتي سوى بصيص من الأمل أنها قد تتعافى تمامًا في يوم من الأيام. "ولقد أمنا بأن هذا قدرها، ولم يكن لنا أن نعترض. فعدنا إلى الإمارات العربية المتحدة موقنين أنها ستعيش دائمًا معتمدة على أنبوب القصبة الهوائية".
ولم نلبث طويلًا، حتى أصيبت بمضاعفات مرتبطة بأنبوب القصبة الهوائية.
وفي عام 2010، لفتت حالة "شيخة" انتباه وزارة الصحة الإماراتية، التي لجأت إلى السفارة للمساعدة.
ويتابع هزاع: "أوصت السفارة الإماراتية بنقل شيخة إلى مستشفى فيلادلفيا للأطفال. وكان السر وراء اختيار مستشفى فيلادلفيا للأطفال لعلاج ابنتي، هو تمتع المستشفى بالقدرة على توفير الخبرات في كل تخصص تحتاجه رعاية ابنتي".
خطة جديدة لشيخة
تواصلت السفارة مع قسم خدمات المرضى الدوليين بمستشفى فيلادلفيا للأطفال لتنسيق رحلة أسرة "اشتيبي" إلى فيلادلفيا، وتوفير السكن لهم، وما إلى ذلك. وحالما وصلت الأسرة، باشرت مجموعة من المتخصصين تقييم حالة الطفلة ذات العامين.
وكان الدكتور ريتشارد لين، الحاصل على دكتوراه في الطب، من أوائل من فحصوا حالة "شيخة"، في وحدة العناية المستمرة. وقال إنه يتذكر عندما جاءت في المرة الأولى للمستشفى، أنها كانت هزيلة، نتيجة لحالتها المعقدة. الدكتور لين تعاون مع فريق متعدد التخصصات لمعرفة كيفية مساعدة الفتاة الصغيرة. وقد أسفرت ملاحظات فريق وحدة العناية المستمرة عن مزيد من التقييمات من قبل أطباء الأنف والأذن والحنجرة وجراحي المجاري الهوائية.
"عندما أجريت أول تقييم لشيخة، وجدت أن لديها شذوذ خِلقي نادر يعرف باسم انفصال الحنجرة والقصبة الهوائية والمريء من الدرجة الثالثة" مصرحًا الدكتور ستيفن سوبول، الحاصل على دكتوراه في الطب وماجستير في العلوم -الوبائيات السريرية وزميل كلية الجراحين الملكية. وكانت الفتحة بين مجرى الهواء والمريء قد سمحت بمرور الإفرازات بشكل متكرر إلى رئتيها مما أذهب صوتها".
وقال هزاع: "الأماكن الأخرى التي لجأنا إليها طلبًا للعلاج لم تمنحني الأمل". "ولكن عندما جئت إلى هنا، وقابلت الدكتور سوبول، قال لي أنه رغم كون حالة شيخة نادرة جدًا، فإنه يعلم تمامًا ما سيقومون به لمساعدتها. وقال لي إنهم كانوا على إيمان بأنهم سيتمكنون في نهاية المطاف من إزالة القصبة الهوائية، فشعرت بالتشوق ودخلت إلى نفسي الطمأنينة".
الدكتور سوبول أمضى عدة ساعات في العملية الجراحية في معالجة مشاكل أنسجة القصبة الهوائية لشيخة.
إلا أنها كانت هناك عمليات أخرى اختار الفريق ألا يجريها. فقد اكتشفوا وجود عيوب جديدة في قلبها، وقرر جراحو القلب تجنب اتخاذ إجراء خطير آخر، فقد كان من المرجّح أن يصلح قلب شيخة نفسه عندما تكبر. وقد كانوا محقين بذلك، ولم تحتاج الفتاة الصغيرة لأي عملية جراحية أخرى.
ومنذ عام 2012، توجهت أسرة "اشتيبي" ثلاث مرات إلى "مستشفى فيلادلفيا للأطفال". وقد أمضوا أكثر من سنة في فيلادلفيا.
وقال هزاع: "إن بيتنا في الإمارات العربية المتحدة يقع في الريف، إلا أننا وجدنا فيلادلفيا مدينة آمنة، ومسالمة، ونحن هنا نعامل دائمًا باحترام".
التطلع للمستقبل
تبلغ "شيخة" الآن 5 سنوات من العمر، وقد تحسنت كثيرًا بعد تلقيها العلاج في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال". وبفضل مساعدة أطباء العلاج الطبيعي والمهني، فقد تعلمت المشي.
كما يعتزم الأطباء استخدام جهاز قد يساعدها على الكلام. وكلما تقدمت في العمر، سوف تتحسن نوعية حياتها بقدر كبير.
وأضاف الدكتور لين" "لقد استلزم الأمر تضافر جهود العديد من المتخصصين حتى تصبح "شيخة" في حالتها التي هي عليها اليوم". وأضاف الدكتور سوبول: "لا تأتي الكثير من الحالات المماثلة غالبًا، ولكن عندما تكون هناك حالة مماثلة، فمن المهم أن يعالج الطفل في مستشفى متخصص في إدارة الحالات المتعددة المعقدة في آن واحد. وقد أمدتنا خبرتنا بالمعرفة التي نحتاجها لإنقاذها من على حافة الهاوية".
الدكتور سوبول يقول: "لقد تحسنت حالة شيخة بشكل مذهل منذ بدء علاجها ولا تزال تذهلني بذلك. ورغم أنها لم تستعد عافيتها الكاملة بعد، إلا أنني واثق من أنها ستتمكن من نزع أنبوب القصبة الهوائية في المستقبل".
ويعتقد الفريق الطبي بأنهم سيتمكنون من إزالة أنبوب "شيخة" عندما يكون عمرها بين 10 و14 سنة، وحينئذ ستستطيع البدء في تناول الطعام بصورة طبيعية.
ومن جانبه قال هزاع" "لا يمكنني وصف أو التعبير عن سعادتي تجاه التحسن الذي حدث لابنتي هنا في مستشفى فيلادلفيا للأطفال"، "فالكل، بدءًا من قسم خدمات المرضى الدوليين وحتى فريق العمل في وحدة العناية المستمرة، يقوم بعمل ممتاز. وحين أحتاج لشيء، لا يتردد المترجمون في مساعدتي.
وأضاف قائلًا: "نحن ممتنون لكل الفرق التي عملت معنا وكذلك لسفارتنا وحكومتنا". "إنني أصر على أن تخضع كل الأسر للعلاج هنا في مستشفى فيلادلفيا للأطفال. فالعمل هنا ممتاز بكل ما تحمله الكلمة من معنى"!