التسربات الليمفاوية: قصة دافيز
عندما وصل أول مرة إلى فيلادلفيا من بلده الأم لاتفيا – وهي أحد بلدان شمال شرق أوروبا – كان "دافيز جانوز" مريضًا للغاية وكان عمره 9 سنوات وقتها. والذي كان يومًا ما طفلًا صحيًا بشكل عام أحب لعب كرة القدم وركوب الدراجات والسباحة والرقص، وقد قضى الأشهر السبعة الماضية في مستشفى الأطفال في ريجا، لاتيفيا.
كان جهاز "دافيز" الليمفاوي – وهو جزء رئيسي من الجهاز المناعي – يسرب سائلًا إلى صدره وبطنه بمعدل ينذر بالخطر. ويمكن أن يتسبب فقدان السائل الليمفاوي لفترة طويلة في سوء تغذية مدمر واضطرابات مناعية.
تقول أم دافيز، بايبا جانوس: "كان أطباؤه يبذلون كل ما في وسعهم". سحب الأطباء السائل وحاولوا إغلاق التسربات، ولكن رغم بذل أفضل جهودهم، كان "دافيز" يزداد مرضًا. لقد كان مصابًا بنقص في الحديد ولم يكن يحصل على قدر كاف من البروتين أو فيتامين "د"، وكان مصابًا باضطراب في التمثيل الغذائي.
تقول بايبا: "إن تعقيد حالة "دافيز" تخطت قدرة التقنيات الطبية الموجودة في لاتفيا، ولم يكن ثمة خيارات متبقية لنا هناك".
البحث عن خيار عبر البحار
بدأ طبيب "دافيز" في البحث عن أطباء خارج لاتفيا يستطيعون تقديم المساعدة. وأثناء بحثه على الإنترنت، عثر على ورقة حول علاج متخصص للتسربات الليمفاوية يُسمى انْصِمام القناة الصدرية. كانت المقالة التي عثر عليها الطبيب مكتوبة من جانب أحد أخصائي الأشعة التدخلية ماكسيم إتكين، الحاصل على دكتوراه في الطب ومدير مركز التصوير والتدخل الليمفاوي في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال" و"مستشفى جامعة بنسلفانيا". اتصل طبيب "دافيز" في الحال بالدكتور إتكين لاستشارته.
الدكتور إتكين وزميله، مدير مركز طب الجهاز الليمفاوي، وطبيب القلب، يواف دوري، أستاذ دكتور وحاصل على دكتوراه في الطب، قاما بمناقشة حالة "دافيز" وعرضا المساعدة. خطط الطبيبان لاستخدام تقنية متطورة في التصوير قاما بتطويرها، تُسمى تصوير الأوعية الليمفاوية بالرنين المغناطيسي المتباين الديناميكي لرسم خريطة لتشريح الجهاز الليمفاوي وتدفقه لدى "دافيز" والتحديد الدقيق للأوعية المسربة. وتوفر هذه التقنية المحسنة للتصوير صورة للتشريح الليمفاوي والتدفق الليمفاوي أوضح من التصوير التقليدي للأوعية الليمفاوية.
بعد تحليل هذه الصور على شاشة، يتمكن الفريق من القيام بإجراء انصمام ليمفاوي انتقائي لتغليف القنوات التي بها تسريب.
يقول دكتور دوري: "بفضل هذه التقنية، نستطيع أن نرى بالضبط ما نقوم به". وذلك يعني أننا نستطيع أن نستهدف بدقة القنوات التي تسبب التسربات، مع استثناء باقي الجهاز الليمفاوي".
تقول بايبا: ""عندما أخبرنا طبيب دافيز عن الخيارات المتاحة، عاد لنا الأمل مرة أخرى".
الرحلة إلى "مستشفى فيلادلفيا للأطفال"
علمت أسرة "جانوس" أن "دافيز" احتاج إلى أن يكون في فيلادلفيا بمستشفى فيلادلفيا للأطفال. كانت خطوتهم الأولى هي التواصل مع فريق خدمات المرضى الدوليين التابع للمستشفى. كانت جهة الاتصال الرئيسية لعائلة "جانوس" تتمثل في جيمي باورز، الحاصلة على بكالوريوس العلوم في التمريض، وممرضة مسجلة، ومنسقة في قسم "خدمات المرضى الدوليين".
تشرح باورز قائلة: "عند إحالة مرضى دوليين إلى مستشفى فيلادلفيا للأطفال، فإن قسم خدمات المرضى الدوليين ينسق لرعايتهم. ونراجع السجلات الطبية لربط العائلات مع متخصصينا، ومساعدتهم في التخليص المالي وتزويد الأسر بموارد السفر والإسكان في فيلادلفيا".
تقول بايبا: "كنا متحمسين جدًا قبل الرحلة إلى فيلادلفيا لكننا شعرنا بالقلق كذلك". وكانت لدينا أسئلة كثيرة ومخاوف حول إقامتنا هناك، خاصة لأن لغتنا الإنجليزية محدودة. لكني استخدمت خدمات الترجمة التي ساعدتنا بالفعل في التفاهم مع أطباء دافيز".
تقول باورز: "حتى إذا كان المريض الدولي يقدم إلى مستشفى فيلادلفيا للأطفال برفقة أحد أعضاء أسرته الذي يتحدث الإنجليزية، فإن سياستنا هي تزويدهم بمترجم فوري مدرب طبيًا". غالبًا ما تكون المعلومات الطبية التي يعطيها الأطباء إلى العائلات معقدة جدًا ونحن نريد أن نتأكد من ترجمتها بشكل دقيق".
رعاية منسقة مرتكزة على الأسرة لحالة معقدة
وصلت أسرة "جانوس" إلى مستشفى فيلادلفيا للأطفال يوم 16 ديسمبر 2014. الدكتور دوري والدكتور إتكين أجريا تصوير الأوعية الليمفاوية التبايني باستخدام الرنين المغناطيسي والذي استخدماه في المعتاد مع المرضى المصابين بتسربات ليمفاوية، لكنهما لم يجدا كثيرًا من المعلومات التي تدل على الأماكن التي تأتي منها تسربات "دافيز".
يقول دكتور إتكين: "في صورة الرنين المغناطيسي لدافيز، ظهر أن الجهاز الليمفاوي غير مسؤول عن عملية المرض، وهذا الأمر أشعرنا بالدهشة".
ونظرًا لأن الاختبارات كشفت أن "دافيز" كان لديه تضخم في الكبد، فقد قرر الطبيبان إجراء تصوير للأوعية الليمفاوية داخل الكبد. وباستخدام تقنية تسمى تصوير الأوعية الليمفاوية في الكبد، نجحا في العثور على الأوعية الليمفاوية التي بها تسريب.
وبتحديد مصدر التسريبات، قام فريق "دافيز" بغلق الأوعية المسربة أثناء إجراء انصمام الأوعية الليمفاوية. وبسبب موقع التسربات، تم استدعاء أطباء من قسم أمراض الجهاز الهضمي، والتغذية، بما في ذلك أخصائية أمراض الجهاز الهضمي لدى الأطفال إليزابيث راند، الحاصلة على دكتوراه في الطب وذلك لتقديم الاستشارة حول حالة "دافيز".
خلال أسبوع واحد من إجراء الانصمام، توقفت تسربات "دافيز". وخلال أسبوعين، عاد "دافيز" إلى تناول نظامه الغذائي الطبيعي وبدأ في اكتساب الوزن. كما بدأ كذلك في استرداد عافيته بشكل كافٍ للاستمتاع بإقامته في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال".
تقول بايبا: "لقد أحب دافيز فعلًا غرفة اللعب والطعام والعلاج بالموسيقى، حيث تعلم العزف على الجيتار".
وخلال الأسبوع الثالث لدافيز في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال"، أُخبر بإمكانية عودته إلى منزله في لاتفيا.
العودة إلى المنزل، والبقاء على اتصال
منذ العودة إلى لاتفيا في 7 يناير 2015، ودافيز على ما يرام – وقد اشترك مؤخرًا في دروس السباحة ويتطلع إلى العودة إلى ركوب دراجته مرة أخرى. كما أن أسرة "جانوس" ما زالت تتواصل بشكلٍ وثيق مع الفريق الطبي في "مستشفى فيلادلفيا للأطفال" لأن أطباؤه لا يزالون غير متأكدين من السبب الذي أدى إلى حدوث التسربات الليمفاوية أول مرة – أو إذا ما كانت سترجع هذه التسربات مرة أخرى.
تقول باورز، التي بقيت همزة الوصل بين دافيز وفريق الرعاية الطبية في فيلادلفيا: "حتى عندما يعود مرضانا الدوليون إلى بلادهم، فإنهم يظلوا جزءًا من مجتمع مرضى مستشفى فيلادلفيا للأطفال. فغالبًا ما يكون لدى الأسر أسئلة بعد مرور أسابيع أو شهور ونحن يمكننا مساعدتهم للعودة إلى الاتصال مع أطبائهم".
تقول بايبا: "لدى دافيز ذكريات لطيفة حقًا حول الوقت الذي قضاه في مستشفى فيلادلفيا للأطفال. الدكتور إيتكين والدكتور دوري الأفضل في مجالهما، كما ساعدنا "قسم خدمات المرضى الدوليين" في مستشفى فيلادلفيا للأطفال في كل شيء".
"يحلم دافيز فعلًا بالعودة مرة أخرى إلى فيلادلفيا في وقت ما في المستقبل – وبالطبع كطفل صحي في المرة القادمة!"